فصل: سبب النزول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الصابوني:

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}.
إتمام الحج والعمرة:

.التحليل اللفظي:

{أُحْصِرْتُمْ} الإحصار في اللغة معناه: المنع والحبس، يقال: حَصَره عن السفر وأحصره عنه إذا حبسه ومنعه قال الشاعر:
وما هجرُ ليلى أن تكون تَباعدت ** عليك ولا أن أحصرتْكَ شُغُول

قال في اللسان: الإحصار أن يُحضر الحاج عن بلوغ المناسك بمرضٍ أو نحوه.
قال الفراء: العرب تقول للذي يمنعه خوف أو مرض من الوصول إلى تمام حجه أو عمرته: قد أُحْصر، وفي الحبس إذا حبسه سلطان، أو قاهر مانع: قد حُصِر.
وقال الأزهري وأبو عبيدة: حًصر الرجل في الحبس، وأحصر في السفر من مرضٍ أو انقطاع به.
{الهدي} الهديُ ما يهدى إلى بيت الله من بدنة أو غيرها، وأصله هديٌّ مشدد فخفّف، جمع هديّة قاله ابن قتيبة، وقال القرطبي: وسميت هديًا لأن منها ما يهدى إلى بيت الله.
{مَحِلَّهُ} المحلّ بكسر الحاء الموضع الذي يحل به نحر الهدي وهو الحرم، أو مكان الإحصار.
{نُسُكٍ} النّسك: جمع نسيكة وهي الذبيحة ينسكها العبد لله تعالى وأصل النسك العبادة ومنه قوله تعالى: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128] أي متعبداتنا.
{رَفَثَ} الرفث: الإفحاش للمرأة بالكلام. وكل ما يتعلق بذكر الجماع ودواعيه، وأنشد أبو عبيدة:
وربّ أسراب حجيجٍ كظّم ** عن اللغا ورفث التكلم

{فُسُوقَ} الفسوق في اللغة: الخروج عن الشيء يقال: فسقت الرطبة: إذا خرجت من قشرها، وفي الشرع الخروج عن طاعة الله عز وجل، ومنه قوله تعالى في حق إبليس {كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] والمراد في الآية جميع المعاصي.
{جِدَالَ} الجدال: الخصام والمراء، ويكثر عادة بين الرفقة والخدم في السفر.
{الزاد} ما يتزود به الإنسان من طعام وشراب لسفره، والمراد به التزود للآخرة بالأعمال الصالحة قال الأعشى:
إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التُقى ** ولاقيتَ بعد الموتِ من قد تزودّا

ندمتَ على ألاّ تكون كمثله ** وأنك لم ترصد كما كان أرصدا

{جُنَاحٌ} الجناحُ: الحرج والإثم من الجنوح وهو الميل عن القصد وقد تقدم.
{أَفَضْتُم} أي اندفعتم يقال: فاض الإناء إذا امتلأ حتى ينصبّ على نواحيه.
قال الراغب: فاض الماء إذا سال منصبًا، والفيضُ: الماء الكثير، ويقال غيضٌ من فيض، أي قليل من كثير، وقوله تعالى: {أَفَضْتُم مِّنْ عرفات} أي دفعتم منها بكثرة تشبيهًا بفيض الماء.
وقال الزمخشري: أفضتم: دفعتم بكثرة، وهو من إفاضة الماء وهو صبه بكثرة، وأصله أفضتم أنفسكم، فتُرك ذكرُ المفعول.
{عرفات} اسم علم للموقف الذي يقف فيه الحجاج، سميت تلك البقعة عرفات لأن الناس يتعارفون بها، وهي اسم في لفظ الجمع كأذرعات فلا تجمع.
قال الفراء: عرفات جمع لا واحد له، وقول الناس: نزلنا عرفة شبيهٌ بمولّد. وليس بعربي محض. وقوله صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة».
هو اسم لليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم الوقوف بعرفات، وليس اسمًا للمكان كما صرح به الراغب.
{المشعر الحرام} هو جبل المزدلفة يقف عليه الإمام، وسمي مَشْعرًا لأنه مَعْلم للعبادة، ووصف بالحرام لحرمته.
{مَّنَاسِكَكُمْ} المناسك جمع مَنْسَك الذي هو المصدر بمنزلة النسك، أي إذا قضيتم عباداتكم التي أمرتم بها في الحج، وإن جعلتها جمع مَنْسَك الذي هو موضع العبادة كان التقدير: فإذا قضيتم أعمال مناسككم فيكون من باب حذف المضاف أفاده الفخر.
{خَلاَقٍ} أي نصيب وقد تقدم، ومعنى الآية: ليس له في الآخرة نصيب من رحمة الله.

.المعنى الإجمالي:

أمر الله المؤمنين بإتمام الحج والعمرة، وأداء المناسك على الوجه الأكمل ابتغاء وجه الله، فإذا مُنع المحرم من إتمام النسك بسبب عدوٍ أو مرض، وأراد أن يتحلل فعليه أن يذبح ما تيسّر له من بدنة، أو بقرة، أو شاة، ونهى تعالى عن الحلق والتحلل قبل بلوغ الهدي المكان الذي يحل ذبحه فيه، أمّا من كان مريضًا أو به أذى في رأسه فإنه يحلق وعليه فدية، إمّا صيام ثلاثة أيام، أو يذبح شاة، أو يتصدق على ستة مساكين، لكن مسكين فدية، صاعٍ من طعام فمن اعتمر في أشهر الحج واستمتع بما يستمتع به غير المحرم من الطيب والنساء وغيرها فعليه ما استيسر من الهدي شكر الله تعالى، فمن لم يجد الهدي فعليه صيام عشرة أيام، ثلاثة حين يحرم بالحج وسبعة إذا رجع إلى وطنه. ذلك التمتع خاص بغير أهل الحرم، أما أهل الحرم فليس لهم تمتع وليس عليهم هدي.
ثم بيّن تعالى أشهر الحج وهي شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة وأمر من ألزم نفسه الحج بالتجرد عن عاداته، وعن التمتع بنعيم الدنيا، لأنه مقبل على الله، قاصد لرضاه، فعليه أن يترك النساء والاستمتاع بهن، وأن يترك المعاصي والنزاع والجدال مع الناس، وأن يتزود من الأعمال الصالحة التي تقربه من الله.
ثم أبان تعالى أن الكسب في أيام الحج غير محظور، وأن التجارة الدنيوية لا تنافي العبادة الدينية، وقد كان الناس يتأثمون من كل عمل دنيوي أيام الحج، فأعلمهم الله أن الكسب فضل من الله لا جناح فيه مع الإخلاص ثم أمر تعالى الناس بعد الدفع من عرفات، أن يذكروا الله عند المشعر الحرام، بالدعاء والتكبير والتلبية، ون يشكروه على نعمة الإيمان، فإذا فرغوا من مناسك الحج، فليكثروا ذكر الله وليبالغوا فيه كما كانوا يفعلون بذكر آبائهم ومفاخرهم.
روي عن ابن عباس أنه قال: كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم، يتفاخرون بمآثر آبائهم، يقول الرجل منهم: كان أبي يُطعم، ويحمل الحمالات، ويحمل الديات، ليس لهم ذكرٌ غير فعال آبائهم فأنزل الله: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}.
وجه الارتباط بالآيات السابقة:
ذكرت أحكام الحج بعد ذكر أحكام الصيام، لأن شهوره تأتي مباشرة بعد شهر الصيام، وأما آيات القتال السابقة فقد نزلت في بيان أحكام الأشهر الحرم، والإحرام، والمسجد الحرام، ولما كان عليه السلام قد أراد العمرة وصدّه المشركون أول مرة بالحديبية، وأراد القضاء في العام القابل، وخاف أصحابه غدر المشركين بهم أنزل الله أحكام القتال، ثم عاد الكلام إلى إتمام أحكام الحج فهذا هو وجه الارتباط والله تعالى أعلم.

.سبب النزول:

أولًا: عن كعب بن عُجرة رضي الله عنه قال: «حُملتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنتُ أرى أن الجهد بلغ بك هذا!! أما تجد شاة؟ قلت: لا، قال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مساكين نصف صاع من طعام واحلق رأسك» فنزلت {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ} قال فنزلت فيّ خاصة وهي لكم عامة.
ثانيًا: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودن، ويقولون: نحو المتوكلون فيسألون الناس، فأنزل الله تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى}.
ثالثًا: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحس، وسائر العرب يقفون بعرفات» فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها يفيض منها فذلك قوله: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس}.
وفي رواية كانوا يقولون: نحن أهل الله وقطّان حرمه فلا نخرج منه ولا نفيض إلا من الحرم.

.وجوه القراءات:

1- قرأ الجمهور {أو نُسُكٍ} بضم النون والسين، وقرأ الحسن {أو نُسْكٍ} بسكون السين.
2- قرأ الجمهور {فلا رفثَ ولا فسوقَ ولا جدال في الحج} بالفتح في الجميع، وقرأ أبو جعفر وابن كثير بالرفع في الجميع {فلا رفثٌ ولا فسوقٌ ولا جدالٌ في الحج}.

.وجوه الإعراب:

1- قوله تعالى: {فَمَا استيسر مِنَ الهدي} قال الزمخشري: رفع بالابتداء أي فعليه ما استيسر، أو نصب على تقدير: فاهدوا ما استيسر.
2- قوله تعالى: {الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} {الحج} مبتدأ و{أشهرٌ} الخبر، والتقدير: أشهر الحج أشهر معلومات كقولهم: البرد شهران أي وقت البرد شهران.
أقول: إنما قدّر العلماء ذلك لأنه من المعلوم أن الحج ليس نفس الأشهر.
3- قوله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ} لا نافية للجنس {رفث} اسمها و{في الحج} الخبر و{لا} مكررة للتوكيد في المعنى وهو خبر يفيد النهي أي لا ترفثوا ولا تفسقوا.
4- قوله تعالى: {واذكروه كَمَا هداكم} الكاف نعت لمصدر محذوف وما مصدرية والتقدير اذكروه ذكرًا حسنًا كما هداكم هدايةً حسنة، ويجوز أن تكون الكاف بمعنى على والتقدير: اذكروا الله على ما هداكم، وقوله تعالى: {وَإِن كُنْتُمْ} إنْ مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة.